کد مطلب:309787 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:294

القسمت 24


كان الجو مشحوناً بالقلق ما بین «الحدیبیة» و مكة. قریش لا تذعن للحقّ و لا تصیخ السمع لصوت العقل، فتفتح أبواب مكة لقوافل الحجیج. و بعث النبی «عثمان» فله قرابة بأبی سفیان.

- اخبر قریش أنّا لم نأت لقتال أحد، وانّما جئنا زوّاراً للبیت، معظمین لحرمته و معنا الهدی ننحره و ننصرف.

و مضی عثمان إلی مكة و لم یعد.. مضت ثلاثة أیام.. اختفت فیها أخباره، وسمعوا شائعات عن مصرعه مع عشرة من المهاجرین دفعهم الشوق إلی زیارة أهلیهم.

عندها وقف النبیّ تحت ظلّ شجرة فی الوادی أسند جذعه إلی جذعها.. وأحدق أصحابه و هم یعاهدون علی الموت من أجله... و باركت السماء عهد المؤمنین.. و قد رضی اللَّه عنهم.

الجو یزداد تأزّماً و لما یعد عثمان بعد...


وجاءت رسل السلام.. وقد أدركت قریش أن الخطر قاب قوسین أو أدنی.

جاء «سهیل» یعرض علی النبی شروط قریش:

- أن تضع الحرب أوزارها بین الفریقین عشر سنین.

- أن یردّ محمّد من یأتیه من قریش مسلماً و لا تلتزم قریش بردّ من یأتیها من عند محمّد.

- أن یعود محمد و أصحابه هذا العام دون عمرة و أن یأتوا فی العام القادم.

- من أراد الدخول فی عهد قریش فله ذلك و من أراد الدخول فی عهد محمّد جاز له ذلك.

كان النبیّ یصغی إلی عرض قریش یلقیه «ابن عمرو» وقد بدا بعض الصحابة ممتعضاً وكاد عمر أن ینفجر بعد ان سمع النبی یستدعی علیّاً:

- اكتب یا علیّ: بسم اللَّه الرحمن الرحیم.

اعترض سهیل:

- لا أعرف هذا.. اكتب باسمك اللّهم.

استأنف النبی:

- اكتب ذلك واكتب: هذا ما صالح علیه محمد رسول اللَّه سهیل


بن عمرو.

قال سهیل:

- لو شهدت انك رسول اللَّه لم اقاتلك.. ولكن اكتب اسمك واسم أبیك.

أطل الحزن من عینی الرسول:

- واللَّه انی رسول اللَّه وان كذبتمونی... اكتب یا علی محمد بن عبداللَّه وامح رسول اللَّه.

رفع علی رأسه وقد شعر بالغضب یتفجر فی صدره.

- ان قلبی لا یطاوعنی... و اللَّه لا أمحوها.

تناول النبی الصحیفة و محاها..

واستأنف علی یثبت بنود السلام.

و نهض الوفد عائداً إلی مكة...

لم یتمالك «عمر» اعصابه فتقدم من النبی بطوله الفارع و عیناه تبرقان بغضبٍ عارم:

- ألست نبی اللَّه حقّاً؟

أجاب النبی بهدوء:

- بلی.

- ألیس قتلانا فی الجنة و قتلاهم فی النار؟


- بلی یا عمر.

هتف عمر وقد اهتزت دعائم الإیمان فی قلبه:

- فَلِمَ نعطی الدنیة فی دیننا اذن؟!

أجاب النبی و هو یحاول إعادة الطمأنینة إلی قلبه:

- انی رسول اللَّه ولست أعصیه وهو ناصری.

قال عمر بحدة:

- أو لست كنت تحدثنا انّا سنأتی البیت فنطوف به؟

أجاب محمد بصبر الأنبیاء:

- بلی یا عمر... أفأخبرتك انك تأتیه عامك هذا؟

أجاب عمر مخذولاً:

- لا.

- فانك آتیه و مطوف به.

وظلّ «عمر» هائجاً لم تفلح كلمات الرسول فی إعادة السلام إلی نفسه.

هرع الرجل الفارع إلی صاحبه وقال بعصبیة:

- یا أبابكر ألیس هو برسول اللَّه؟

- نعم.

- اولسنا بالمسلمین؟


- أجل یا عمر.

- أولیسوا بالمشركین؟

- ماذا تعنی؟

- فعلام نعطی الدنیة فی دیننا؟

نظر أبوبكر إلی صاحبه بأسف و أدرك ان صرح الإیمان یهتزّ فی أعماقه بشدّة، تمتم أبوبكر:

- یابن الخطّاب انه رسول اللَّه ولن یعصی ربّه ولن یضیعه.

عمر ما یزال ثائراً یبحث عن شی ء.. عن شخص یطفئ به النار التی تستعر فی صدره... و قد حانت اللحظة المناسبة لنسف السلام مع قریش.

تمكن «أبوجندل» بن سهیل من الافلات من قبضة قریش، وجاء ینوء بالسلاسل والقیود.

كان منظره یدعو إلی الشفقة، اعترضه أبوه و كان قد أمضی عهداً مع النبی.

هتف الشاب المثقل بالحدید والقهر:

- یا رسول اللَّه.. یا معشر المسلمین.

والتفت سهیل إلی النبی.

- یا محمد بیننا و بینك العهد.


- صدقت.

هتف أبوجندل:

- یا للمسلمین أأردّ إلی المشركین لیفتنونی عن دینی.

المسلمون ینظرون إلی أخ لهم لا یملكون له ضرّاً و لا نفعاً.

هتف النبیّ یشدّ علی یده من بعید:

- اصبر یا أباجندل و احتسب سیجعل لك اللَّه ولمن معك فرجاً و مخرجاً.

لم یتمالك عمر كعادته فخف إلی ابن سهیل.. اقترب منه هامساً:

- إنما هم مشركون و دم أحدهم دم كلب.

اقترب عمر أكثر و كشف للشاب مقبض السیف و كرّر قائلاً:

- المشرك دمه كدم الكلب.

أدرك الشاب ان عمر یغریه بقتل أبیه فاكتفی بنظرة طویلة إلی عمر و لم یقل شیئاً.

كانت كلمات النبی ما تزال تتردد فی أُذنیه و فی قلبه ثم كیف له أن یقتل أباه؟ بل كیف للمسلم أن یغدر أو یفتك و یخون العهد الذی ابرم قبل لحظات.. و هل ستسكت قریش علی قتل رجل كان یفاوض باسمها و یدافع عن آلهتها؟

كانت الأفكار تصطرع فی رأسه كخیول فی معركة.. و هو


یجرجر خطی واهنة عائداً مع أبیه.

وانطوی نهار ذلك الیوم، وقد هبت نسائم السلام فوق رمال الجزیرة...

وفی المساء و عندما كانت النجوم تنبض فی السماء كقلوب حالمة هبط جبریل یحمل بین جناحیه سورة «الفتح».

وانساب نهر سماویّ و الرسول یتلو:

- إنّا فتحنا لك فتحاً مبیناً.

وانبعث صوت فی الظلام:

- وأین هذا الفتح و قد صدّونا عن البیت؟

أجاب النبیّ:

- بل هو أعظم الفتح.. لقد رضی المشركون أن یدفعوكم بالراح عن بلادهم و ان یرغبوا الیكم فی الأمان. وردّكم سالمین مأجورین فهو أعظم الفتح.

هتف المسلمون:

- صدقت یا رسول اللَّه.

و مضت أیام علی السلام وثاب عمر إلی رشدة فتمتم آسفاً:

- ما شككت منذ اسلمت إلّا ذلك الیوم.